النظام السياسي في العراق .. عقد أم تعقيد

يقصد بالنظام السياسي هو اشكال الحكومات )المختلفة( التي تمسك زمام السلطة في الدولة، فالحكومة تعني ممارسة السلطة التنفيذية في المجتمع.

 تعد العلاقة بين شكل النظام السياسي والاستقرار السياسي للدولة الذي يتبعه استقرار أمني واقتصادي واجتماعي، من المواضيع التي لطالما اثارت جدلاً لدى الباحثين في هذ الشأن، فالبعض يبرهن ان بعض الأنظمة السياسية غير فعالة لعدم وصول القيادات الفاعلة لتكون الرافع الحقيقي لهذا النظام او ذاك، والبعض الاخر يعتقد ان للنظام السياسي الدور المهم في استقرار الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي...

ان من وظائف الدولة الرئيسة هي عملية صنع القوانين وتنفيذها والفصل في المنازعات التي تحصل نتيجة تطبيق هذه القوانين، وعلى عكس الأنظمة الاستبدادية يفصل النظام الديمقراطي بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، وفي النظام البرلماني تتداخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، فمن البرلمان تنبثق الحكومة ورئيسها ويجوز للبرلمان سحب الثقة من الحكومة كما يجوز للحكومة حل البرلمان، فهو اذاً نظام يعتمد التوازن والتعاون بين السلطتين وعلى مسؤولية الحكومة امام البرلمان، على عكس النظام الرئاسي الذي يعطي لكل سلطة قوة وحرية اكبر في التعاطي مع الواجبات المرسومة لكلاً منهم.

من مهام الدولة الرئيسة هي عملية (تنظيم الممارسة السياسية)، فمنذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان تواجه الدولة عدة عقبات امام عملية تنظيم هذه الممارسة، مما أوصل البلاد لمرحلة الإنسداد السياسي "political blockage" بعد ان طغت سياسة تدوير الأزمات "Crisis Rotation" على المستوين الداخلي والخارجي، مما أضعف لدى المواطن أمل الوصول لدولة ديمقراطية دستورية تضمن العدالة والحقوق للجميع دون امتيازات خاصة لمسؤول عن غيره. و ول شعوراً لدى البعض بأن المشكلة تكمن في طبيعة النظام السياسي وشكله، لذا برزت المطالبة لتغيير النظام من نظام برلماني الي نظام رئاسي، والسؤال هنا ما هي ضمانات نجاح هذا النظام في حال تم تغييره وفق الدستور؟ اذاً علينا ان نراجع حقيقة ومكمن الخلل في المرحلة الماضية، في شكل النظام ؟ أم في الفواعل الرسميين وغير الرسميين ؟ لنقرر فيما بعد الأفضل والملائم للبيئة العراقية.

لنرى ما هي رؤية الفئات المجتمعية الثلاث المؤثرة والمتأثرة في النظام السياسي :

  • الأكراد: يشعرون انهم بطريقة او بأخرى بعيدين عن الحسابات الوطنية ويقعون بين سندان الإدارة الكردية ومطرقة الحكومة في كل أزمة تحصل بين الطرفين.
  • الشيعة: يشعر غالبية الشيعة انهم يقبعون تحت سطوة "أحزاب السلطة" المهيمنة على موارد البلد وتفضيل مصالح دولاً إقليمية على مصالح الوطن، فضلاً عن سوء الخدمات وقلة فرص العمل.
  • السنة: ظلت السنة متمسكة بإعتقاد أنهم سكان من الدرجة الثانية ولسنوات طوال، وان أغلب الحكومات بعيدة عن تطلعاتهم وتركتهم بيد أعتى تنظيم إرهابي وما ان عاد الأمل مرة ثانية بتحرير محافظاتهم حتى عادت مسألة هيمنة فواعل غير حكومية على بعض المناطق مما يثير هاجس العودة الى مرحلة الفوضى ما قبل ٢٠١٤.
  • الأقليات: ان أغلبية الأقليات قد حسموا موقفهم بالهجرة خارج العراق واما البقية فيناضلون من اجل الحصول على فرصة المشاركة في إدارة مناطقهم بصورة حقيقية او ان تقوم الحكومة الاتحادية بفرض ارادتها بشكل كامل لتكون المرجع الحقيق والوحيد للجميع.

وعلى هذا الأساس توالت مسألة التظاهرات الشعبية المنددة بالحكومات المتعاقبة او ضد الأداء الضعيف لمجلس النواب العراقي ونسبة الفساد العالية وفوضى السلاح وقلة الخدمات وفرص العمل.

اذاً، من هي الجاهات الفاعلة في النظام السياسي ؟

تنقسم هذه الفواعل الى قسمين :

اولاً. الفواعل الرسميين وهم الحكومة (المؤسسات والهيئات المستقلة التنفيذية والأجهزة الإدارية)، والسلطة التشريعية وكذلك القضاء.

ثانياً. الفواعل غير الرسميين، وهم كلاً من:

  • الاعلام : على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الاعلام والإعلاميين، الا ان جهود الكثير منهم في محاربة الإرهاب والقضايا الاجتماعية كانت فاعلة جداً، الا انها تباينت في موضوعة ترسيخ العملية الديمقراطية وتوعية المواطن العراقي خصوصاً في مرحلة الانتخابات التي تسهم في انتاج السلطتين التشريعية والتنفيذية، لذا تقع المسؤولية الكبرى على شبكة الاعلام العراقي في رسم استراتيجية تضمن نجاح هذه المهمة بكل صدقٍ وتفانِ.
  • منظمات المجتمع المدني: احدى مهام هذه المنظمات هي التنشئة الاجتماعية، وبالتالي الوصول الى التنشئة السياسية والديمقراطية للمجتمع، الا ان دورها في العراق ضعيفاً في هذا الجانب على الرغم من فاعليتها في المجالات الانسانية.
  • شيوخ العشائر: تعد العشيرة ركناً اساسياً في التكوين الاجتماعي في العراق، وضابطاً عرفياً للمجتمع يضاف للضابط القانوني والأخلاقي والديني، الا انه ومن الضروري ان تبقى هذه الفئة في موقع الداعم لا الموازي لعمل الدولة.
  • المرجعيات الدينية: تباين دور وتأثير المرجعيات على العملية السياسية لأسباب عدة من بينها تعدد الولاءات الحزبية لمرجعيات دينية (داخلية وخارجية) مختلفة في فكرة ومنهج إدارة الدولة، وكذلك بسبب ابتعاد بعض المرجعيات عن السياسة أو اقترابها المتزايد.
  • الأحزاب السياسية: أحد أسباب فشل الأحزاب السياسية في أن تكون رافعة للنظام السياسي وبالتالي نجاحه، هو انها تتفق في هدف الوصول الى السلطة وتختلف في عملية دعم من يصل الى السلطة؟ وبالتالي تقف حجر عثرة في سبيل اضعاف الحكومة وانهيارها، أو ان تأخذ خيار المعارضة الشفافة والمنتجة لتبيان الخلل الحكومي وتكون بذلك داعمة بشكل غير مباشر لتصحيح أوضاعها. كما أهملت اغلب القوى السياسية اهم دور "تنفرد فيه" الا وهو الدور الوسيط بين الجمهور والسلطة السياسية.
  • الرأي العام: من المفترض ان يؤثر الرأي العام على سياسة الدولة بشكل عام والسلطات الثلاث بشكل خاص، من خلال تطبيق الحكومة لما يفكر فيه الجمهور، إذ لا يمكن تجاهل الرأي العام والا انقلب ضد السلطة السياسية والنظام السياسي؟

التحدي الكبير الذي يواجه عملية اصلاح النظام السياسي هي وجود مصالح شخصية مبنية على الحفاظ على الوضع القائم، يضاف لها عدم نضج اغلبية النخب السياسية الحاكمة، إذ تغلب عليها سمة الهوية الفرعية علي الهوية الوطنية !

كما ان عدم كفاءة غالبية صناع القرار والفئة القريبة منهم، وعدم الركون لأصحاب الاختصاص والخبرة كمراكز البحوث والدراسات (رغم قلتها).

اذاً تقع المسؤولية على القيادات السياسية في انضاج النظام السياسي وتفعيله وليس العكس.. وفي حال تم تغيير شكل النظام السياسي بآخر، بوجود نفس الالية في التعامل مع عملية صنع القرارات سيكون الفشل حاضراً ايضاً ! 

أن أنظمة صنع السياسة العامة هي في الواقع أنظمة معقدة وأن أحد أسباب فشل تنفيذ السياسات غالباً يرجع إلى ميل صانعي السياسات إلى تجاهل بيئة صنع السياسات والديناميكيات المختلفة التي تلعب دوراً رئيساً.

إذ تنتج الأنظمة المعقدة أنماطاً وخصائص سلوكية لا يمكن التنبوء بها وتميل الانظمة المعقدة الى أن تتكون من وكلاء أذكياء، يتصرفون ويتخذون القرارات بناءً على معلومات النظام بأكمله.

ومن العناصر الرئيسة للنظام المعقدة هو انها تحتوي على تجاذبات غريبة ويشير هذا النهج عند تطبيقه على صنع السياسات، إلى أننا نركز بدرجة أقل على دور الأفراد وأكثر على الطرق التي يتفاعلون بها لإنتاج سلوك على مستوى النظام، يمكننا تحديد المدى المحدود الذي يمكن لأي حكومة مركزية التحكم في عملية تطبيق السياسة ونتائجها. على سبيل المثال، يمكن ربط الملاحظات الإيجابية والسلبية بـ "معالجة المعلومات غير المتناسبة"، حيث يمكن لصانعي السياسات تلقي نفس القدر من المعلومات بمرور الوقت، ولكن تجاهلها لفترات طويلة (ردود فعل سلبية) قبل إيلاء اهتمام غير متناسب (ردود فعل إيجابية) يؤدي الى اضعاف وفشل النظام السياسي.

يعمل صانعوا السياسات في بيئات يتنافس فيها العديد من صانعي السياسات والمؤثرين على السلطة، عبر العديد من الأماكن بقواعدهم وشبكاتهم ومعتقداتهم وطرقهم في تفسير الظروف والأحداث الاجتماعية والاقتصادية والاستجابة لها. وهم يخضعون لـ "العقلانية المحدودة" (والتي تتضمن عدم القدرة على معالجة جميع المعلومات ذات الصلة)، ويمكنهم فقط الانتباه إلى جزء صغير من مسؤولياتهم.

اذاً الدور الأساسي للحكومة هو تمكين العمل الجماعي، مما يؤدي إلى توليفة من الاثنين، وبروز تكهنات حول الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومات في الأنظمة الاجتماعية المعقدة.

توجد العديد من المدارس الفكرية في الفلسفة السياسية، وعادة ما تنتج إجابات مختلفة جداً عن هذه الإشكالية، على سبيل المثال، يدافع الاشتراكيون عن دور جوهري للحكومة في المجتمع، في حين أن المتطرفين "التحرريين اليمينيين" والأناركيين يجادلون بإلغائها بالكامل، وتنادي الأصوات الأكثر اعتدالًا بين المحافظين بـ "الحكومة الصغيرة" ومن هنا ينطلق السؤال الاتي : هل يجب ان تكون الحكومة كبيرة أم صغيرة ؟ أي الإدارة المركزية أم اللامركزية؟

اما عن التفاعلات الاجتماعية فالمجتمعات هي شبكات متكاملة من الناس يكون التفاعل فيها شائعاً وغالباً ما يكون مهماً، هذا التفاعل يفسح المجال لعدد كبير من تحديات العمل الجماعي والفرص، والتي تتراوح من البسيط إلى شديد التعقيد.

فمثلاً الشركات الخاصة تتشكل من خلال أعمال جماعية، مثلها مثل جميع أشكال التنظيم، هذه طريقة غير معتادة في التفكير في الشركات الخاصة. يقول آدم سميث "أن تقسيم العمل كان مصدراً مهماً للثروة الاقتصادية والنمو"، لذا فان حل مشاكل العمل الجماعي هي من خلال وضع قواعد ملزمة تحقق العدالة الاجتماعية والانتاج المطلوب

حيث يجب أن تلعب الحكومات الوطنية دور "تمكين" بدلاً من دور "تنفيذي".

إحدى سمات الحكومات الوطنية هي أنها تحتكر استخدام القوة داخل الحدود الوطنية.

القوة هي عنصر أساسي لمصداقية العديد من المؤسسات لأنه بدون التهديد النهائي بالإجبار على الالتزام باتفاق أو قواعد، أو الالتزام بالعقوبات بسبب نقض الاتفاقيات أو خرق القواعد، فإن المؤسسات ستفتقر إلى المصداقية.

إن تكوين نظام حكم أوروبي لا يعني مجرد هيكل أكثر تعقيداً للعلاقات الحكومية الدولية العمودية ولكن أيضاً في العلاقات الأفقية، إذ تزدهر شبكات المدن في أوروبا، بما في ذلك تبادل أفضل الممارسات السياسية التي تمولها المفوضية الأوروبية، أو ترتيبات (التوأمة القديمة) التي تم تعديلها في إطار تعاون متعدد الأبعاد بين المدن في أوروبا.

اذاً نحن بحاجة لرفع الضبابية وإيجاد ضابط يحدد العلاقة بين النظام السياسي والنظام الحزبي، هذا من جهة ومن جهة أخرى ضرورة دعم القادة الذين يملكون رؤية لبناء دولة مؤسسات لا دولة مكونات ! بواسطة طرح مشروع وطني قادر على اخراج المنظومة السياسية من المأزق الذي اوقعته فيه أجزاء المنظومة نفسها.