سلم مدني .. لدولة شجاعة

من فضائية ((الميادين)) في بيروت وعبر مشاهدتي برنامجها الثقافي الشيق (بيت القصيد) سمعت بلسان الكاتب الروائي والشاعر الجزائري (عز الدين ميهوبي) انه قرأ مؤخراً كتابا بالفرنسية نشر في العام 2007 وأعيد نشره في 2011 يحتضن عنوان (جيوبولتيك المشاعر) يرى مؤلفه أن عالمنا مقسم من حيث المشاعر إلى ثلاث مناطق هي منطقة (الامل) أي الشعور بالأمل تضم دول أسيا المتقدمة (الصين-ماليزيا-اندنوسيا-الهند-سنغافورة...) ومنطقة (الاذلال) أي الشعور بالذل لأسباب متعددة وتضم بلدان المنطقة العربية والاسلامية .. ومنطقة (الخوف) أي الشعور بالخوف وتضم بلدان أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وعلى أساس هذا التقسيم سواء كان افتراضياً أم واقعياً اين نتلمس السلم المدني؟. بالتأكيد نستطيع بسهولة أن نتلمس السلم المدني في دول منطقة الأمل، بينما نتلمس بصعوبة هذا السلم المدني في دول منطقتي الخوف والإذلال، ففي دول منطقة الخوف ربما نتلمس بسهولة السلم المسلح الناعم الذكي والناعم الذكي جداً، وفي بلدان منطقة الاذلال نتلمس بسهولة السلم المسلح الخشن والخشن جداً.

وإذا كان علينا أن ننسى التفكير في تلمس سلم مدني في نظم بلدان الاذلال الشمولية فكيف نتوهم بـ(إعادة) السلم المدني اليها وهو سلم لم يكن موجوداً فيها أصلاً؟

حقاً ليس من المنطقي إعادة اللاموجود أصلاً إلى الوجود، غير أن الحاجة إلى هذا اللاموجود (السلم المدني) في هذه البلدان هي حاجة تستحق العناء لإيجاده. والعراق بحاجة إلى السلم المدني لأنه سلم كان غير موجود ولا يزال غير موجود بشكل متكامل ولا بشكل ناضج ومنتظم حتى يومنا هذا. عند ذلك يتوهم من يظن أن النظام الشمولي الذي ابتلى به العراق لعقود مضت قد انجز السلم المدني ويكون الواهم الأكبر كل من يفكر، اليوم، بـ(اعادة) هذا السلم المدني) المزعوم، وأصاب من يظن بأن هذا النظام الشمولي استطاع فعلاً أن ينجز سلم مسلح خشن جداً بالقمع والخوف والاذلال. وبالنتيجة فلا صحة لترديد عبارة (اعادة السلم المدني) في العراق، والصحة كل الصحة لترديد عبارة ضرورة بناء السلم المدني في العراق.

كما لا يصح أن نفهم دعوة العقلاء إلى دولة عراق قوية بأنها دعوة إلى سلطة متوحشة على المواطن كدول النظم الشمولية ولا بأنها دعوة إلى سلطة هشة بذاتها وخجولة مع خصومها كما هو حال الكيانات ما قبل الدولة المنتشرة بكثافة في منطقة الاذلال، بل ينبغي أن نفهم معركة العقل العراقي من اجل التعقل بانها معركة بناء دولة العراق القوية التي تستمد قوتها من المواطن ضد خصومه في الداخل والخارج والتي تستخدم قوتها مع المواطن ضد التبعية والإرهاب والمحاصصة والفساد والطائفية والبطالة والأمية.

بمعنى أدق أن الدولة المطلوبة للعراق هي دولة قوية تعددية لا دولة قوية شمولية. وعند المقارنة الأوّلية ما بين التعددي والشمولي يتضح لنا اللامشترك بينهما ففي الدولة القوية الشمولية تحسم المشكلات بالترغيب الفاسد أو بالترهيب المسلح بينما يتم التعامل مع المشكلات في الدولة القوية التعددية بالحوار وصولاً إلى التسوية. وفي الأولى تكون النظرة احادية (نظرية السلطة) والصوت واحد (صوت الاقلية المنتفذة) والحقيقة واحدة (حقيقة السلطان) بينما الثانية تكون النظرة تعددية (نظرة الشعب) والصوت تعددي (صوت ممثلي الشعب المنتخبين) والحقيقة تعددية (حقيقة المؤسسات الدستورية).

عندها تكون الدولة القوية بهذه المواصفات دولة شجاعة قادرة، حقا، على بناء السلم المدني لأن الشجاعة فضيلة بين رذيلتين على رأي (أفلاطون) هما رذيلتا التهور والجبن !!!

فالدولة الشجاعة هي دولة بلا تفريط بالشجاعة كي لا تصبح دولة جبانة وهي دولة بلا افراط في الشجاعة كي لا تصبح دولة متهورة.