التضليل الإعلامي.. تعاطي وسائل الإعلام مع القضية العراقية

((الإعلام صِنعة، وسائل الإعلام تقنيات، المعلومة مادة الخبر، الإعلامي ملك المعلومة، الصحفي فنان خبر، الموضوعية الإعلامية نادرة، التضليل الإعلامي تلاعب هدفه السيطرة والقهر، العراق إنموذج ضحايا التضليل)).

 

الإعلام

ليس الإعلام مجرد وسيلة إخبار (إعلام) تشتغل لإيصال المعلومة على تنوعها الى المتلقي، إنه صناعة إتصال تفاعلي من خلال المعلومة، اتصال متعدد الأغراض والأهداف والوسائل. وبعبارة أخرى، الإعلام هو فن الإشتغال النظري والتطبيقي على المعلومة الحسية لإيصالها الى المتلقي بغية الإخبار أو التأثير أو التبني.

المعلومة

الحياة معلومة، هي حصيلة كم ونوع المعلومات غير المتناهي، الحياة تقوم وتتقوم على المعلومة كمادة ودلالة وقيمة وتوظيف، فالمعلومة هي أس الحياة بتنوعاتها المعرفية العلمية التجريبية،.. وكل ما لدينا هو معلومات، العلوم والمعارف والرموز والإشارات والأرقام والأحداث والتجارب،.. وكما المعلومة دلالة فهي دالة وهي أيضاً موردا. والإعلام هو التخصص المهني الأول الذي يشتغل على توظيف المعلومة كدلالات ودالات وقيم وموارد من خلال فن الإتصال، ويتطور بتطور وسائل الإتصال كما في الإعلام الرقمي اليوم والإعلام الجديد (البديل) المعتمد على وسائل التواصل الإجتماعي الذي يُعد أكبر تحول اعلامي تواصلي استطاع الإفلات من قبضة المركزيات الإعلامية المهيمنة على صناعة الواقع وتوجيهه من خلال صناعة الإعلام، فيكفي كامرا ديجتل وصفحة على الفيس بوك أن تفجر الأوضاع في اميركا أو أوكرانيا أو مصر، ويكفي أن تصنع واقعاً زائفاً لتحقق الإنتصار من خلال شبكات التواصل دون معارك على الأرض كما فعلته داعش الإرهابية التي تقاتل بالإعلام التضليلي قبل السلاح،.. يقول مراسل "الغارديان" في بغداد مارتن تشارلوف: "إن الخوف من اجتياح داعش للعاصمة سببه حملات مواقع التواصل الاجتماعي وليس الحقيقة".

 

الإعلام صنعة

الإعلام صنعة والمهنة فن،.. الإعلام هو صناعة التفاعل المعلوماتي (على تنوع المعلومات) من خلال الإتصال، تتكفل به وسائل الإتصال وعالمها المهني الصناعي الفني التقني،.. والإعلامي هو المهني المتخصص بصناعة فن الإتصال المعلوماتي -الهادف الى الإخبار والتأثير والتبني- من خلال وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد والرقمي والبديل. الإعلامي بذلك يكون ملك الإتصال والتواصل بالمعلومة، وهو وإن يكن غير منتج للمعلومة بشكل عام، إلاّ أنه الموظِف الأول لها والخالق لفضائها وموجها لدى الرأي العام،.. فالرأي العام هو نتاج صناعة الإعلام شاء أم أبى، عن وعي أو غير وعي،.. من هنا تتأتى خطورة الإعلام كمهنة، إنها مهنة توظيف المعلومة لصناعة الرأي العام وتعبئة قناعات العامة وتشييد مواقف المجتمعات الوطنية والمجتمعيات المحلية وتنميط وعي الشرائح وقولبة التفاعل الفردي والتحكم بمسارات وعي المتلقي، إنها حكومات الظل الصانعة للتاريخ... يقول عالم الاجتماع الأميركي ريفرز عن وسائل الإعلام بأنها: (حكومة ثانية).

 

فاعل ومفعول به

الإعلامي هو الفاعل على طول الخط والمتلقي هو المستقبِل وهو المفعول به على طول الخط، صحيح أنَّ الإتصال يستدعي التفاعل البيني بين المرسل والمتلقي ووسيلة الإعلام، لكن بالمجمل يكون الإعلامي (المرسل) هو الفاعل والمتلقي هو المفعول به وهو الواقع تحت تأثير فن الإشتغال بالمعلومة كإخبار غالباً ما يكون مشحوناً بالتأثير لحمل المتلقي على تبني ما يقصده ويستهدفه الإعلامي وما يريده من قناعات واتجاهات سلوك ومسارات تفاعل يتبناها المتلقي (المفعول به) عن وعي أو غير وعي،.. ووفق هذه الأرضية يمكن القول هنا أنَّ الدعاية والإيهام والتلاعب والتوظيف والتضليل ممارسات روتينية للعملية الإعلامية وليس العملية الإعلامية الإعلانية الدعائية وحسب.

 

التضليل الإعلامي

عملية تلاعب بالمعلومة الإعلامية والإعلانية لهدف التأثير والهيمنة على المتلقي (المضَلَل) لتحقيق مقاصد ومصالح الجهة المضلِلَة،.. يقول جوزيف هوبلز وزير الإعلام النازي: أعطني أعلاماً بلا ضمير، أُعطيك شعباً بلا وعي،.. إنه مصداق من مصاديق إعلام التضليل وقدرته على تغيير مسارات التاريخ،.. وعلى هذا الأساس يعرّف باولو فرير المفكر البرازيلي المعروف التضليل الإعلامي على أنه: (أداة قهر، فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها الى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة، وهذه الأداة القهرية تمنح أقلية قاهرة القدرة التي تحول دون ممارسة الأغلبية وجودها الإنساني).

يشتغل التضليل على مبدأ التعمية لغرض السيطرة المؤدية لقهر إرادة الوعي والإختيار لدى المتلقي عن غير وعي. والتضليل في الوقت الذي يعمّي على الحقائق فإنه يخلق واقعاً زائفاً أو مفترضاً يريد حمل المتلقي على التفاعل معه خدمة لأهداف الجهة المضلِلَة، وهنا فهو جرم بحق الحقائق الموضوعية كحقائق، وجرم بحق جوهر الإنسان الذي يحول التضليل دون تفعيل قيمه والتزاماته وسياقاته بشكل حر وتلقائي، وجرم بحق التاريخ عندما يخلق التضليل مساراً آخر للتاريخ استناداً الى التفاعل مع الواقع المضلل الذي خلقته عملية التضليل وحملت المضَلَل على التفاعل معه،.. وبهذا يكون التضليل جرم بحق الحقيقة كحقيقة صانعة للتاريخ عندما يتم تحريفها، وجرم بحق جوهر الإنسان الصانع للتاريخ عندما يحول التضليل دون تفاعله الحر الواعي مع الواقع، وجرم بحق التاريخ كتاريخ عندما يصنع التضليل واقعاً تاريخياً غير الذي تصنعه الحقائق قبل التضليل،.. من هنا يكون التضليل عملية تلاعب كبرى ومدنسة هدفها السيطرة والقهر.

 

التضليل الشامل

يبدو أنَّ التضليل الإعلامي شاملاً وبنسب متقدمة، وقد يبدو هذا القول سلبياً وصادماً لأول وهلة، أو ليس هو بالقاعدة ضمن اشتراطات المهنية الإعلامية وأنظمة الضبط القانوني المتبع،.. هذا صحيح، لكن السؤال المركزي: هل هناك أي عمل اعلامي –بشكل عام وليس بشكل مطلق- يشتغل على المعلومة دون أي تأثير وتاثر بالقبليات والقناعات والهويات والثقافات والعقائد؟ وهل يمكن عزل المعلومة المراد ايصالها عن عوالم التوظيف الآيديولوجي والمصالحي وتحييدها عن الزج في أتون صراع الإرادات وأجواء التنافس وحمى المصالح؟ وهل يمكن التفكيك بين الخبر ولغة الجسد مثلاً، بين المعلومة ولغة الإشارة ولغة الأداء ولغة التفاعل لينتج لدينا اعلام مهني ذا صدقية عالية يكسب شرف المصداقية؟ صحيح، هناك تضليلاً اعلامياً مكشوفاً ومباشراً يستهدف التشويه والتحريف للحقائق والأحداث تقوم به الدول والمؤسسات ذات المصلحة بالتضليل، هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن تحري المصداقية والصدقية المجردة غاية يصعب تحقيقها، ولهذا تم اعتماد مواثيق الشرف الإعلامي ومنظومات المعايير والعهود والقوانين لضبط الفعل الإعلامي وبالذات تجاه عمليات التضليل التي غدت جوهر العمل الإعلامي وبالذات في الدول المؤدلجة والمؤسسات السياسية والإقتصادية الداخلة في صراع المصالح وذلك حماية للحقائق كحقائق وما يترتب على أساسها من واقع خارجي، وايضاً حماية للمجتمعات والدول والشرائح من أن تقع ضحية التضليل وما ينتج عنه من كوارث سياسية ومجتمعية واقتصادية وأمنية.

 

مجتمع المعلومة ضحية

المجتمع اليوم هو مجتمع المعلومة، وبسبب ثورة الإتصالات غدت المعلومة -على تنوعها- مشاعة وبمتناول اليد، فأنت لا تتكلم اليوم عن إذاعة أو تلفزيون مركزي أو صحف محددة منمطة الخطاب والسياسة، إنك تتحدث اليوم عن عالم يصوغه الإعلام من خلال عدد لا يحصى من وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي والرقمي والتواصلي، وبمجرد كبسة زر أو لمسة يد أو نطق حرف تأتي المعلومة وتأتي معها المعارف والعلوم والإنجازات والكوارث أيضاً، هذا صحيح فالمجتمع اليوم مجتمع المعلومة، لكن الصحيح أيضاً أنَّ المجتمع هو ضحية المعلومة المضلِلة والتي غالباً ما تكون هي السائدة،.. إنَّ التلاعب بالمجتمعات وبنية الدول وخلق اتجاهات الرأي المدمرة.. هي احدى أهم نتائج عمليات التضليل الإعلامي الممارس وبالذات من قبل مركزيات السلطة والمال والإعلام والذي لا تسلم منه حتى المجتمعات المتطورة،.. يؤكد هربرت شيلر في كتابه المتلاعبون بالعقول: (أنه باستثناء قطاع صغير جداً من السكان يحسن الإنتقاء ويعرف ما الذي يشاهده ويستطيع بالتالي أن يستفيد من التدفق الإعلامي الهائل، فإنَّ معظم الأمريكيين محصورين أساساً وإن لم يعوا ذلك داخل نطاق مرسوم من الإعلام لا اختيار فيه، فتنوع الآراء في ما يتعلق بالأخبار الخارجية والداخلية أو بالنسبة لشؤون المجتمعات المحلية لا وجود له في المادة الإعلامية، وهو ما ينتج أساساً من التطابق الكامن للمصالح المادية والآيديولوجية لأصحاب الملكية ومن الطابع الإحتكاري لصناعة وسائل الإتصال بوجه عام).

 

عملية التضليل الإعلامي

هي اشتغال اعلامي منظم ومخطط له وهادف لهدف السيطرة والقهر للمتلقي، فعمليات التضليل الإعلامي ليست اشتغالاً عشوائياً أو غير مقصود، بل هي اشتغال مركّز قصدي وهدفي تعتمده مركزيات المال والسلطة والإعلام كمنهجية شبه ثابتة لتحقيق المصالح، وأيضاً تتبناه الأعم الأغلب من الحكومات والمؤسسات والأحزاب بمستويات متعددة ولأهداف متنوعة، ويكاد يكون عاماً وشاملاً تمارسه الأعم الأغلب من وسائل الإعلام على تنوعها المرئي والمسموع والمقروء والرقمي والتواصلي لتحقيق المصالح،.. والتضليل الإعلامي وإن كان ليس بجديد على الممارسات الإعلامية لكن الجديد سعة وسطوة الهيمنة الإعلامية بسبب التطور الهائل لوسائل الإعلام والإتصال الذي جعل العالم قرية صغيرة،.. يقول الباحث الفرنسي فرانسوا جيريه في كتابه "قاموس التضليل الإعلامي" أنَّ "التضليل الإعلامي قديم قدم الإعلام نفسه".

 

ثلاثي الإشتغال

تتم عملية التضليل الإعلامي عن طريق الإشتغال التضليلي المنظم بثلاثي:المعلومة+المتلقي+التأثير، إذ يتم التلاعب بالمعلومة (على تنوعها السياسي والإقتصادي والمجتمعي والأمني..) للتأثير على المتلقي (على تنوع مستويات العمر والوعي والطبقة والإختصاص..) وحمله الى ما يستهدف المضلِل من غايات لتحقيق مصالحه وتنفيذ أجنداته.

تدخل الدعاية الموجهة والحرب النفسية وايهامات اللغة وايحاءات الجسد ومؤثرات وسائل الإعلام الحسية تدخل كأدوات تلاعب بالكلمة والجملة والصورة والبيانات والإحصائيات والإيحاءات والإلقاءات وأوقات ومناخات البث..الخ للهيمنة على المتلقي وجعله مستقبِلاً ليس إلاّ وواقعاً تحت تأثير المضَلِل على اختلاف مستويات الإستقبال والتضليل.

 

أساليب التضليل الإعلامي

لا حصر لأساليب التضليل المتبع في العمل الإعلامي، منها:

1- التلفيق الكلي للخبر والمعلومة والذي يساوق الكذب المفضوح.

2- التشويه للمعلومة بما يعارض حقيقتها ودلالاتها كلياً أو جزئيا.

3- تحريف المعلومة عن مقاصدها لخدمة مقاصد المحرِف.

4- الفبركة الكلية أو الجزئية للخبر والحدث والمعلومة بما فيها الكذب والحذف والقطع والإلصاق لخلق واقع مغاير للدلالة.

5- قلب الصورة كلياً أو جزئياً للحدث لإنتاج ايحاءات وحقائق جديدة مغايرة للأصل.

6- التكرار للخبر أو الدلالة المفبركة أو المستنبطة بالتضليل وجعل التكرار وسيلة لجعل الفبركة حقيقة شاعة.

7- بتر المعلومة وتقطيعها بغية حرف نتائجها ومدلولاتها الحقيقية.

8- الخداع من خلال الإيهام والتلاعب والتشويش على الخبر والمعلومة والحدث.

9- السخرية والإستخفاف والتهوين لتسطيح الخبر أو لتجاهل الحدث أو لإزدراء النتائج.

10- الإستخدام الغير المناسب للصفات والنعوت والألقاب والتعجب والإستفهام والتأكيد لإنتاج استنتاجات مغايرة للخبر أو الحدث.

11- توظيف خدمة العاجل الإخباري والبث الحي لإحتلال قناعة المتلقي أو لخلق واقع يربك ساحة المستهدف بالتضليل.

12-الإختفاء وراء الجمل التمهيدية والمعاني العكسية لتمرير التضليل.

13-التجاهل للخبر كلياً أو جزئياً من خلال اختيار أوقات البث أو التقديم والتأخير المتعمد والذي لا يناسب أهمية الحدث وتأثيراته.

14-التوظيف المغرض للخبر والحدث ضمن اجندات تخدم مصالح الموظِف.

15-التدليس بايهام المتلقي برصانة المصدر ومصداقية الخبر.

16-التنكير بصيغة المبني للمجهول للتقليل من قيمة الخبر أو لتعميته.

17-اعتماد سياسة الإلهاء للمتلقي لضمان عدم تأثره بأولويات الأحداث وخلق رأي عام غير مبال تجاه حركية الواقع أو خطورته.

18-الإشتغال على راهنية الخبر ولحظوية الحدث وقطعه عن مسبباته أو العوالم المرتبطة به بغية حمل المتلقي الى ما يستهدفه المضَلِل.

19-التعتيم باخفاء المعلومة والدلالة للخبر والحدث لضمان عدم التأثير.

20-التهويل من الخبر أو التقليل من شأنه ضمن سياسة التقديم والتأخير حسب أولويات المضلِل.

21-التخويف من الخبر أو نتائجه لخلق مصدات نفسية عند المتلقي في القبول أو الرفض.

ويتم التلاعب التضليلي بالمعلومات والأخبار والصور والإستطلاعات والإستبيانات والقرائن والدلالات لإنتاج التضليل.

 

نموذج تضليلي

نكتشف التضليل من خلال الفرق في الإستنتاجات لخبر يصاغ بعدة صياغات، الصياغة الأولى: (انفجار عبوة ناسفة في محافظة البصرة أدى الى وقوع العديد من الشهداء والجرحى). الصياغة الثانية: (انفجار عبوة ناسفة في محافظة البصرة القريبة من الحدود الإيرانية أدى الى وقوع العديد من الشهداء والجرحى). الصياغة الثالثة: (انفجار عبوة ناسفة في محافظة البصرة المحاذية للكويت أدى الى وقوع العديد من الشهداء والجرحى).. الصياغة الأولى اعلامية غير تضليلية، الصياغة الثانية تضليلية يراد منها الإيحاء بعلاقة إيران بالحادثة، الصياغة الثالثة تضليلية يراد منها الإيحاء بعلاقة الكويت بالحادثة.. هذا مثال على توظيف الجغرافيا لممارسة التضليل ولإنتاج دلالات جديدة لدى المتلقي.

 

أزمنة التضليل الإعلامي

التضليل الإعلامي عملية مستمرة ودائمة كونها أداة تحقيق المصالح على تنوعها، لكن غالباً ما ينشط التضليل الإعلامي في المراحل التاريخية التحوّلية كأزمنة الحروب والإنقلابات وتغيير الأنظمة واعادة بناء الدول واحتدام التنافس وصراع القوى السياسية والإقتصادية والمجتمعية، هنا يدخل التضليل الإعلامي كأهم أداة لكسب الصراع وتحقيق المصالح بين القوى المتصارعة والمتنافسة (الإعلام الحربي والإستخباري والتجاري نموذجاً).

 

أهداف التضليل الإعلامي

لعمليات التضليل الإعلامي أهداف آنية ومستقبلية تتناسب وحجم الأهداف المرسومة للتضليل، ومن أهم أهداف التضليل:

*انتاج واقع جديد من خلال التلاعب بدلالات الحدث/المعلومة/الخبر.

*انتاج دلالات جديدة للمعلومة وتسويقها على خلاف مدلولاتها الحقيقية وذلك من خلال التلاعب بزمكانية الحدث/المعلومة.

*إعادة ترتيب أولويات الحدث بما يخدم التنافس أو الصراع.

*التحكم بمعطيات المعلومة وتوجيهها قصدياً وتوظيفياً لخدمة المُضلِل.

*التحكم بالمتلقي للمعلومة لحمله لسياقات مرسومة سلفاً.

* صناعة تاريخ يستهدفه المُضَلِل من خلال التفاعل مع نتائج التضليل، أو تحريف مسارات التاريخ الفعلي بما يريد المضلِل.

* الهمينة على توجهات الرأي العام المضاد من خلال صناعة عقل الإجماع الذي يخلقه التضليل.

 

محددات التضليل

لضمان سلامة المعلومة والمتلقي والواقع الناتج عنهما، تلجأ المنظمات الدولية والدول والمؤسسات الى اعتماد ضوابط هي محددات اشتغال قانونية واخلاقية مضادة لعملية التضليل، منها: المواثيق والعهود الدولية، دساتير الدول، قوانين المطبوعات والعمل الإعلامي، القوانين الجنائية، ومواثيق الشرف الإعلامي.

 

قوى التضليل

التضليل ممارسة معتمدة من قبل معظم القوى والمؤسسات والدول، لكنها تخصصية ودائمة لدى مركزيات المال والسلطة والإعلام الكوني ومراكز التخطيط الستراتيجي وأجهزة المخابرات والمؤسسات العسكرية والإقتصادية والقوى السياسية الحزبية.

 

حواضن التضليل الإعلامي

كما لا مضِلِل دون استعداد لدى المُضَلَل، كذلك لا يمكن لعملية التضليل الإجتماعي والسياسي والإقتصادي أن تؤتي أكلها دونما حواضن، إنَّ مجتمع الدولة المدنية الديمقراطية المؤسسية المعلوماتية لهي من أوعى المجتمعات وأقلها سقوطاً في أتون عمليات التضليل الإعلامي، على العكس منها مجتمع الدولة الدكتاتورية أو الدولة الفاشلة فهي مهيئة ذاتاً للتضليل بسبب اضطرابها البنيوي السياسي والإقتصادي والأمني، وبذلك تكون بنية الدولة هي أهم حاضن قابل او رافض لعمليات التضليل الإعلامي.

 

مسببات التضليل الإعلامي

ينجح التضليل الإعلامي بوجود مسببات تشكل بيئات مناسبة لاستقبال وقبول التضليل، منها:

اضطراب وفشل بنية الدولة بسبب مصادرة الحريات وانعدام الحقوق أو تفشي الصراعات الأهلية أو الفشل الحكومي والسياسي والتنموي وانعدام فرص المعارضة التي تتيح حياة سياسية سلمية.

انعدام الشفافية الحكومية والفقر المعلوماتي عن طريق حجب وخنق المعلومة على تنوعها مما يسهل تلقي المعلومات المضللة.

تخلف الأنظمة القانونية والمؤسسية المنظمة للعمل الإعلامي والقائمة على أساس الرقابة والمركزية.

الأمية وبالذات الثقافية التي تخلق أوساطاً مجتمعية قابلاً للتضليل.

الإفتقار الى مضدات التضليل ومنها البنية التحتية الإعلامية للجهة المضَلَلَة، ويكفي أن نشير الى وجود مركزيات الإعلامية تتحكم بمصادر المعلومات ويمتلك الغرب وحده أكثر من 120 وكالة انباء كبرى تغطّي ما يقارب 70 دولة من دول العالم.

 

العراق ضحية التضليل

يعد العراق أنموذجاً لضحايا التضليل الإعلامي على مستوى

العالم، فهناك العديد والعديد من الشعوب والدول والقضايا والتجارب ذهبت ضحية

التضليل، إلاّ أنَّ العراق كان وما زال إنموذجاً للتضليل الإعلامي الممنهج والمتشعب

والدائم، وإنموذجاً لخسران قضيته رغم عدالتها، بمعنى أنك قد تخسر المعركة جراء

التضليل لكنك تكسب شرعية المعركة وعدالة القضية، لكن أن تخسر المعركة وتخسر

الشرعية وعدالة القضية فتلك هي الطامة، والأنكى أنَّ هذه الطامة اشترك في

صناعتها الداخل والخارج، الأنا الوطنية ودوائر الهمينة الأجنبية.

 

العراق وتسونامي التضليل

وقع العراق بعد 2003م كوطن وانسان ودولة لأضخم عملية تضليل اعلامي مارسته العديد من الأنظمة السياسية وقوى ومؤسسات المنطقة وبعض مركزيات العالم والعديد من قوى الداخل العراقي الرافضة للتغيير والعديد من قوى الداخل العراقي المساهمة بالتغيير التي أساءت التعاطي مع التغيير وادارة التجربة السياسية بحنكة وكفاءة ونزاهة،.. ولقد ساعد سياسة التضليل المتعمد تجاه العراق وتجربته عدة من العوامل:

أولاً: البنية الرخوة لمشروع الدولة والتي عُدت كأفضل بيئة مستقبلة للتضليل كانت وما زالت،.. فقبل 9/4/2003م كان لدينا مسمى دولة، سلطة دكتاتورية ابتعلت الدولة، قامت على وفق معايير الإستبداد والتمييز والحروب والمغامرات فأوجد بنية دولة هشة ومتصدعة جعل جميع قضاياها كونية ومشاعة للتدخل وعرضة للتجاذبات يسهل اختراقها وحملها على مسارات المصالح المعادية. بعد 9/4/2003م وبسبب البنية التوافقية العرقطائفية الحزبوية لمشروع الدولة أوجدت بنية دولة هشة ومتصدعة على صعيد أمتها السياسية المجتمعية وسلطاتها ومؤسساتها، والنتيجة قيام مجتمع الدويلات العرقطائفية المتصارعة على السلطة والثروة والسيادة. هكذا بنية هشة للدولة جعلت من الدولة العراقية وملفاتها ساحة مفتوحة للتضليل الإعلامي الذي استخدم كأداة صراع متقدمة للتدخل والتحكم بمسارات بناء الدولة ومجمل أشواط عمليتها السياسية.

ثانياً: اختلال موازين القوى الجيوسياسية والجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بعد إسقاط النظام الدكتاتوري 2003م والذي تمت قرائته على أنه اختلال موازين جيوطائفية شرق أوسطية، هذا الواقع الجديد دفع مركزيات المنطقة ومنذ اليوم الأول للتغيير الى الإندفاع وبشتى السبل إما الى اسقاط التجربة السياسية في العراق أو احتوائها أو جعلها جبهة صراع متقدمة أو تحريف مساراتها وفق ما ترتأيه هذه القوة أو تلك، وكان التضليل الإعلامي السلاح الأمضى والذي وظف جميع الفراغات والتناقضات وسهل تمرير جميع الأجندات لقوى التدخل والهيمنة على تنوعها.

ثالثاً: انعكاس صراع الإرادات والمصالح على أرض العراق، فالعراق غدى وبسبب طريقة التغيير والمغيّر غدى ساحة تقاطع صراعي مصالحي بين قوى المنطقة والعالم، مثلا: لأنَّ المغيّر أميركي فقد وجد العراق نفسه في مهب صراع تصفية الحسابات وإدارة المصالح مع أو ضد جميع القوى الداخلة في الصراع الأميركي الكوني، وكان الإعلام القوة الأساس في إدارة الصراع وتحقيق المصالح الإقليمية والدولية.

رابعاً: الفشل بإدارة ملفات الدولة بوطنية ووعي وحنكة ونزاهة وتضامن وسلام من قبل الأعم الأغلب من قوى الدولة الرافضة والمؤيدة للتغيير، مما أوجد بيئة مناسبة للتضليل الإعلامي المستخدم كأداة لإفشال مشروع الدولة ووحدة أمة الدولة.

خامساً: إهمال الستراتيجيات الإعلامية عراقياً بما يضمن القدرة على تمرير التجارب وكسب جولات الصراع مع القوى المضادة للتغيير أو الممانعة من قبول استحقاقاته أو القبول بمساراته، وهو تقصير تتحمله معظم قوى الدولة المؤمنة بالتغيير والمسؤولة عن فعل الدولة العراقية.

سادساً: تواضع البنى التحتية للمؤسسات الإعلامية العراقية وتواضع الخبرات الإعلامية جراء عقود الخنق المركزي الصدامي وما تبعها من انهيارات لجميع بنى المجتمع والدولة، وجراء حداثة التجربة الإعلامية بعد التغيير وحداثة التعاطي مع التقنيات.. خلق هذا الواقع عدم تكافؤ الفرص في التنافس والصراع الإعلامي.

 

مثلث الإجهاض

لإجهاض التحوّل الجيوستراتيجي في العراق اعتمدت الأعم الأغلب من قوى المنطقة ومركزياتها الجيوسياسية ستراتيجية مثلث الإجهاض، واضلاع المثلث هي: الشرعية المنقوصة للنظام السياسي، الإرهاب المدعوم والمشرعن، والتضليل الإعلامي المنظم والدائم.

 

التضليل الإعلامي

المتتبع لتعاطي وسائل الإعلام وبالذات الأعم الأغلب من وسائل الإعلام العربي والإسلامي يلحظ تبنيها بوضوح لمثلث الإجهاض، وكان التضليل الإعلامي القاعدة الأساس التي استندها مثلث الإجهاض لإفشال التجربة العراقية أو لاختراقها أو للتحكم بمساراتها. مع تأكيد معروف: أنَّ وسائل الإعلامي العربي والإسلامي هي بالأعم الأغلب وسائل إعلام حكومي موجه ومركزي، وهنا يكون التضليل الممارس تضليلاً معبّراً عن سياسات دول، هو جزء من ستراتيجيات مركزية تجاه العراق وليس تضليلاً عفوياً اجتهادياً.

 

ثوابت الخطاب الإعلامي التضليلي

اعتمد الخطاب الإعلامي التضليلي المعادي للتغيير وللتجربة العراقية على ثوابت اساسية لمحاصرة التجربة واجهاضها، واعتمد على ثوابت تأسيسية لما يُراد ويُقصد من خلال عملية التضليل الإعلامي المستهدف للتحوّل الجيوسياسي في العراق، أهمها:

أولاً: عدم شرعية التغيير في العراق كونه جاء من خلال احتلال، وبعض الدول وإن اعترفت بالواقع الجديد دبلوماسياً إلاّ أن سياساتها وخطاب مؤسساتها ما زال لا يتعاطى مع الدولة العراقية كدولة ذات شرعية ناجزة،.. لذلك كثيراً ما نسمع ونقرأ أنَّ النظام العراقي هو نظام جاء من خلال الدبابة الأميركية،.. هدف هذا التضليل هو اعطاء الشرعية لرفض التحول السياسي في العراق وشرعنة مظاهر العنف المسلح والإرهاب وجعله مقاومة طبيعية.

ثانياُ: النظام السياسي القائم في العراق نظام فاقد للسيادة والإرادة وهو جزء من المنظومة الأميركية أو الإيرانية،.. هدف هذا التضليل هو ضمان بقاء العراق ساحة صراع اقليمي ينوء بنفسه وفاقد للمركزية الإقليمية ولضمان عدم تأثيره على النسيج البنيوي لمنطقة الشرق الأوسط.

ثالثاً: النظام السياسي بعد التغيير هو الذي شرعن الطائفية السياسية والمجتمعية في العراق، وهدف هذا التضليل هو نفي الصفة والسياسة الطائفية التمييزية عن مشروع الدولة العراقية الحديثة منذ 1921م كجزء من اعادة تأهيله، وأيضاً لضرب مشروعية النظام الجديد.

رابعاً: العراق بلد متنوع عرقياً وطائفياً ولا يُحكم إلاّ بدكتاتورية صارمة أو يتفكك، وهدف هذا التضليل قتل روح الأمة لدى العراقيين بغية الهيمنة والسيطرة وتمرير الأجندات والمصالح الإقليمية.

خامساً: العراق بلد تابع لا يتمتع بمركزية مستقلة وقائمة بذاتها، وهدف هذا التضليل هو ضرب مركز العراق الإقليمي من خلال تصويره الدائم أنه لا يتمتع بمقومات المركز فهو أما منحاز ايرانياً أو عربياً أو تركياً باعتبارها الأمم الثلاث التاريخية والداخلة في صراع مصالح جيوستراتيجي.

سادساً: شرعنة المعارضة المسلحة التدميرية والفعل الإرهابي الطائفي الموجه ضد الدولة العراقية وأمتها الوطنية تحت عناوين مقاومة الإحتلال الأميركي واسقاط المعادلة الطائفية وتحقيق العدالة والمساوة في السلطة والثروة بين مكونات المجتمع العراقي،.. وهدف هذا التضليل ضمان بقاء العراق ضعيفاً يفترس ذاته بذاته كي يعزل عن دائرة التنافس الإقليمي وتحييد قوته السياسية والإقتصادية والأمنية والجيوسياسية.

سابعاً: التوظيف الصراعي لمفاهيم الشراكة والتوازن والمحاصصة التي تنوء بها العملية السياسية العراقية،.. وهدف هذا التضليل ضرب وحدة الأمة الوطنية العراقية وضمان إبقاء العراق أمماً عرقطائفية إثنية متنافسة متنازعة لسهولة السيطرة عليها ضمن نظام المحميات السياسية العرقطائفية الإقليمية.

 

التضليل المزدوج

مورس بحق العراق تضليلاً مزدوجاً، وهما: تضليل للشعب العراقي كي يفقد وحدته وبوصلته في خضم الصراع على امتلاك العراق والتأثير بواقعه وصناعة مستقبله. وتضليل آخر عندما يتم تشويه صورته ويقدّم الى العالم بصورة مضللة. التضليل الأول يشتغل على تضليل للشعب تجاه ذاته وهويته وانتمائه، هدف هذا التضليل قتل روح الأمة لديه من خلال قتل وحدته وتضامنه وتحاب وتعايش أبنائه وبالتالي نحر أمته السياسية التي هي الدولة، فالإعلام ينعق دونما هوادة بأننا شيعة وسنة، عرباً وكردا وتركمانا.. مسلمين ومسيحيين... خليط متكدس بجغرافيا لعينة لا مشترك بينهم!! يتجسد التضليل هنا بالتأكيد عى الإختلاف والتمايز لإبراز الهويات الفرعية العرقطائفية على حساب الهوية الوطنية. وأيضاً يتجسد التضليل بترسيخ مفاهيم عدوانية العراقي ودمويته تجاه العراقي الآخر، وبأنه انفصالي النزعة طائفي الإنتماء إثني الهوية ذيلي الولاء للآخر الأجنبي على أساس قومي أو مذهبي. التضليل الثاني يشتغل على صورة العراق المقدمة الى العالم، إذا لم يتم تقديم الشعب العراقي يوماً كشعب تواق الى الحرية يريد إعادة بناء ذته وفق مقومات المواطنة والديمقراطية والتعايش والسلام.. بل هو شعب عبيد يحن الى المستبد ولا يحكم إلاّ من خلاله، شعب ملفق ودولته زيجتها نشزة لا تصلح إلاّ أن تكون تابعاً وليس دولة مركزية في المنطقة، فالعراق ليس إلاّ جغرافيا جيوسياسية تتقاطع عندها أمم المنطقة والعالم مصالحياً أكثر منه دولة، فهو ممر وليس مقرا.. هو طرف وليس مركزا، ولا يصلح إلاّ أن يكون ضمن ستراتيجيات تحتويه لتطوعه وتقاتل من خلاله ستراتيجيات أخرى منافسة.

 

مصدات التضليل

لا يمكن مواجهة عمليات التضليل المنظمة لكسب مشروع الدولة العراقية دونما حزمة مترابطة من الإجراءات، في طليعتها:

إعادة إنتاج بنية الدولة المضطربة والهشة على أساس من المواطنة والديمقراطية والمدنية والتعايش والتنمية وبما يضمن قيام أمة دولة موحدة، فسكة التوافق العرقطائفي الحزبوي خير سكة لفشل التجربة السياسية وبقاء الدولة تعاني الإضطراب والتصدع واللذان يوفران الأرضية للتدخل والهيمنة.

إعادة إنتاج فعل الدولة من خلال تنظيم حياتها السياسية الضابطة لقوى الدولة وإدارة مؤسساتها، ففعل الدولة وقواها وإدارتها تعيش الآن تنازعاً وتعارضاً في إدارة ملفات الدولة المختلف عليها داخلياً وخارجياً وضمن رؤية متكاملة لطبيعة النظام السياسي وأفقه وفضاءاتها الجيوستراتيجية في المنطقة والعالم.

اعطاء اولوية استثنائية لمشروع ثقافي اعلامي وطني على أساس من الثقافة العضوية وإعلام الدولة للدفاع عن التجربة من التدمير الذاتي وأيضاً لمواجهة سياسات التضليل والتشويه المنظم والمتعمد.

إعادة النظر بمنظومات العمل الإعلامي والمعلوماتي في العراق كأنظمة وقوانين ومؤسسات وتمكين مجتمع الثقافة المعلوماتية والإنتقال لسياسة الهجوم على مصادر التضليل.. لهي من أهم المصدات الذاتية لمواجهة التضليل الإعلامي.

 

المصدر : الموقع الرسمي - حسين درويش العدلي