عام 2020 أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، والمعهد العراقي تقريرا يشير الى أن العراق قد احتل المرتبة 70 عالمياً من حيث تمثيل النساء في البرلمان. وفى حين تولت النساء بعض مواقع صنع القرار في الحكومة العراقية بعد عام 2003، لم تشغل النساء بعد أي مناصب رئاسية أو تنفيذية مهمة في الحكومة العراقية.
علاوة على ذلك، يشكل هذا النقص في تمثيل النساء تحديات كبيرة أمام تقدمها ورفاهيتها في جميع أنحاء العراق، لا سيما أنه يحد من قدرتهم على معالجة القضايا التي تؤثر عليهم بشكل مباشر في مجتمعهم. ومن ثم، وفى ظل مجتمع ذكوري مثل العراق، هناك ضرورة ملحة لأن تحصل المرأة على المزيد من الحريات السياسية اللازمة لتحسين أوضاعها ومعالجة القضايا التي تؤثر عليها. على هذا النحو، لا تزال هناك حاجة ماسة لإبرام إصلاحات جدية تهدف الى تذليل العقبات التي تحول دون المشاركة الفعالة والهادفة للمرأة في الحكومة العراقية، بما في ذلك إصدار التشريعات المؤيدة للمرأة، وزيادة مشاركتها في قيادة الحزب، وتنظيم حملات دعوية من قبل منظمات المجتمع المدني تدعوا لتوليها المناصب العامة. ومع ذلك، سيتطلب تحقيق هذه الأهداف فهم حقيقي لطبيعة العوائق التي تواجه هؤلاء النساء اللاتي يسعين حاليا للانخراط بشكل فعال في الحياة العامة.
وفى حين نص الدستور العراقي النافذ لعام 2005 في المادة (14) على أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الجنسية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي"، ما زالت المرأة تعاني من عدة تحديات تعيق مشاركاتها السياسية بشكل عام ، ومشاركاتها في والانتخابات والحياة النيابية بشكل خاص، إذ أن طبيعة المجتمع حددت وأطرت علاقة المرأة بمجتمعها (الذكوري) بحدود ضيقة يقابله ضعف تمثيل المرأة الحكومي والخدمي للاحتكاك بالمجتمع وتفكيك هذه الإشكالية وإثبات دورها الفاعل. وعلى الرغم من نظام الكوتا الحالي، ما زال تمثيل المرأة داخل البرلمان لا يتناسب مع نسبة عدد النساء في العراق التي تتخطى حاجز الـ ٥٠٪ من نسبة السكان في العراق.
إلى هذه النقطة، تمثل عملية جمع تأييد ودعم الناخبين في الانتخابات سواء على نظام الدوائر المتعددة الكبيرة (المحافظة) أو نظام الدوائر الصغيرة (المناطقي) صعوبة شديدة بالنسبة للمرأة. وعلى الرغم من أن المشرع العراقي خصص في الدستور العراقي نسبة تمثيل ثابتة للمرأة في مجلس النواب لا تقل عن 25% وأقرت على أساسه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (نظام الكوتا) ليحميها ويساهم في تمثيلها البرلماني بأدنى المستويات إلا أن نظام الكوتا وتلك النسبة التي اقترحها الدستور ما زالت غير كافية نظرا لأنه سيستحيل على أي امرأة الفوز بإحدى مقاعد الرجال (خارج نظام الكوتا).
إضافة الى ذلك، تتسم اغلب الدوائر الانتخابية ذات بطابع عشائري أو حزبي. وفى هذا الصدد تقول فريال الكعبي رئيسة منظمة أوان للتوعية وتنمية القدرات "لقد أيقنت "أن الكوتا في مفهوم دولتنا الحديثة ما هي ألا مجرد تمثيل بحت لجنس الإناث والتعامل من هذا المنطلق يحول القضية إلى مفهومها البيولوجي وليس من منطلق الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة والقابلة للتغيير مع التطور الاجتماعي وبذلك تصبح المرأة ميزة كمالية يجب أن تضاف إلى مقاعد البرلمان كالبهارات التي نشتم رائحتها في المطابخ السياسية".
إضافة الى ذلك، يمتد التمييز أيضا ليشمل النائبات داخل البرلمان وضد توليهم المناصب العامة، فمثلا بعض اللجان البرلمانية مثل لجنة الأمن والدفاع لا تحتوي على امرأ واحدة، ناهيك عن عدم وصول المرأة وتمثيلها في الرئاسات الثلاث مثل هيئة رئاسة البرلمان أو منصب نائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس مجلس الوزراء! كحد أدني أو تمثيل العراق خارجياً من خلال وزارة الخارجية.
كما أن الأحزاب السياسية لم تهتم بتمكين المرأة وتنمية قدراتها بشكل حقيقي إلا في حالات نادرة كما في إقليم كردستان إذ نجد أن التنظيمات السياسية تبني وتصقل المرأة وتدفع بها باتجاه الملفات الحكومية لتنجح في إدارتها. وعلى العكس نجد أن بعض الأحزاب توظف وجود المرأة كواجهة صورية فقط وتستغل وجودها داخل قبة البرلمان وتستلب أرادتها وتمنعها حق وحرية اتخاذ القرار والتصويت على طريقتها. وغالبا ما يتم استغلال المرأة فقط لشغر المقاعد وللتصويت وفقا للخط الحزبي، كما أن فرصهم في أثبات ذاتهم سياسيا تحت قبة البرلمان منخفضة للغاية.
أمام المرأة تحدي كبير في مواجهة هذه الظروف، حيث يجب على المرشحة التي تأمل في الحصول على مقعد خارج نظام الكوتا أن تطرح برنامجها وسيرتها بقوة وتزاحم الرجال وتنافسهم منافسة عادلة وتقف بقوة القانون أمام العقبات التي تحول دون مشاركتها السياسية.
في ضوء تلك التحديدات التي تحول دون تمثيل المرأة في العملية السياسية بشكل فعال، هناك العديد من الخطوات التي تتعلق بقيادة المرأة في الحكومة والتي يجب على الجهات الفاعلة المختلفة في العراق اتباعها. وكبداية، يجب إضافة مادة الى قانون الأحزاب تضمن حصة المرأة في القيادات الحزبية بحيث لا تقل عن 25٪ على الأقل مع إلزام الأحزاب من خلال برامجها السياسية ومناهجها التنظيمية بتطوير وتمكين كوادرها النسائية. يتوجب أيضا على منظمات المجتمع المدني خاصة المنظمات التي تهتم بشئون المرأة أن تعمل على تصميم برامج تدريبة تستهدف المرأة، والعمل على التطوير النساء العاملات في المجال السياسي.
وبالتالي، فالمشاركة الهادفة للمرأة لا تعني فقط زيادة عدد النساء في الحياة السياسية، لكنها تعنى أيضا العمل على تغيير الأعراف والممارسات المجتمعية التي تؤثر على المرأة. ومن ثم، فإن اعتماد تشريعات مؤيدة للمرأة من شأنها أن تسمح لها بمعالجة القضايا التي تهمها بشكل خاص مثل العنف المنزلي، والتمييز في محل العمل حيث تواجه المرأة العراقية تواجه تمييزا صارخا ومضايقات وترهيب في محل العمل، خاصة النساء العراقيات اللواتي يعملن في وظائف رسمية، كما هو الحال في كثير من الأحيان في أماكن أخرى، ولا يزلن لا يتلقين نفس رواتب الرجال مقابل العمل المتساوي. ومن ثم، يجب العمل على معالجة تلك القضايا حيث أن معالجتها قد تساهم في زيادة المشاركة السياسية للمرأة.
وأخيرا، يجب على الإعلام المساهمة في توعية المجتمع بأهمية دور النساء في العمل السياسي والعمل على تحسين صورة المرأة وإبراز إمكاناتها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومن ثم، تتحمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مسؤولية كبيرة وعلى المعنيين من مثقفين ومنظمات وإعلاميين أن يساهموا بارتقاء الفكر والمنظومة القيمية نحو العدالة في الاختيار والتقييم.
وبالتالي، تشكل هذه الإصلاحات نقطة انطلاق مهمة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة. وفي حين ستظل التحديات الحقيقية التي تواجهها المرأة العراقية قائمة، حتى في حالة تنفيذ هذه الإصلاحات، فمن الأهمية بمكان بدء الزخم في هذه العملية الإصلاحية. فلا يمكن للنساء اللواتي يعانين من التحرش والعنف المنزلي ونقص الفرص المهنية التطلع الى التقدم.