أحمد الوندي
الدولة وحسب مفهوم العلوم السياسية لها: هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية الذي يهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها. أي بمفهوم أبسط إن الدولة هي منظومة متكونة من مؤسسات تساهم بتحديد نمط عيش المواطن وفق آليات معينة.
الدولة العراقية الحديثة على مدى تاريخها لم تترسخ جذورها بالشكل التي يسمح لها أن تكون دولة مؤسسات حقيقية، لأسباب عدة، منها صراعها الخارجي ضد الاستعمار والانتداب والحروب التي خاضتها أو بسبب صراعها الداخلي المتمثل بتنافر القوى السياسية ورجالاتها فيما بينهم لمصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الدولة، بالوقت الذي تعاضمت ونمت باقي الأواصر القديمة بشكل ملحوظ؛ وهنا أقصد الأواصر القبلية العصبية، والآصرة الدينية العقائدية، والآصرة القومية الاثنية، مما جعل الدولة العراقية تعاني من أزمة داخلية تحد من إمكاناتها لتقدم نفسها بالمفهوم العصري المذكور أعلاه.
السبب الحقيقي (الذي أؤمن به) لفشل منظومة الدولة العصرية، هو فشلها بتقديم بديل ناجع لهذه الأواصر، مما جعل من الضرورة اللجوء الى الأواصر التي ذكرتها كحاجة واقعية على حساب قيم الدولة، والجدير بالذكر إن الأواصر المذكورة يمتد تأريخها الى آلاف السنين لذا من المستحيل العمل على تسليخ تلك القيم وتقديم بديل ضعيف لا يسمو الى حجم المشكلات المعاصرة، أي بمعنى آخر، قوى الدولة فشلت بتقديم عقيدة حقيقية لأفرادها تسهل لهم الانتقال من مجموعة تؤمن بالأواصر التاريخية والعقائدية الى مجموعة تؤمن بالقيم المعاصرة لمفهوم الدولة، ومفهوم العقيدة هنا ليس مطلق- مجرد بل نسبي- تفاعلي.
(عقيدة الدولة هي المواطنة) وواجبها هو تقديم الضمانات التي تجعل أفرادها مؤمنين بأن الدولة لهم وليست عليهم، طبيعة المجتمع العراقي معقدة ومتشابكة تحتاج الى ديناميكية في فرض القيم المجتمعية للدولة تتناسب مع طبيعة هذا المجتمع. فشل رجالات الدولة بفرض هذه القيم يعزو الى أسباب عديدة ذكرتها ولكن السبب الرئيسي الحقيقي هو إن رجال الدولة نفسهم لم يكونوا في الواقع متحررين من هذه الأواصر التأريخية بل في الحقيقة لجؤا في العديد من المرات الى تقديمها فوق مصلحة الدولة. وما يبنى على خطأ فهو خطأ، والخطأ هنا مفهوم نسبي يتعلق بنجاح الدولة بتعريف مفهومها العصري.
الكائن البشري وعيه متدن، وهو مقيد ضمن محدوديته، فلا يرى ما هو خارجه إلا انطلاقاً من ذاته ومن مصلحته ومن معياره ومن قيمه. لذا نراه تارة يدافع على مصلحته مستقوياً بأواصر التاريخ ومؤيداً الى مقومات الدولة تارة أخرى وبما يتناسب مع مصلحته.
المسار الصحيح الذي يجب أن تسلكه الدولة هو تقديم أواصر جديدة تجمع ما بين مصلحة الفرد ومصلحتها لتشكيل منظومة تكاملية، بقاؤها يعتمد على ما يقدمه الفرد تجاه الدولة والعكس صحيح، لتصبح من مصلحة الفرد أن يقدم أواصر الدولة على باقيها ويحمي مصالحها بالشكل الذي يضمن ما تقدمه الدولة تجاه الفرد.
المجتمعات الغربية نجحت بشكل نسبي على تقديم هذه العقيدة على باقي الأسس والأواصر مما جعل تطورها مرهون بتطوير الفرد، لذا نرى اليوم أفضل مراكز البحث والجامعات تقع في المجتمعات الغربية.
النظام الديمقراطي في العراق لا يزال معاقاً ويحتاج الى فترة طويلة للتعافي والنهوض، بالطبع شريطة أن تكون هناك جهود للبدء ببناء الدولة والتي تبدو غائبة الى يومنا هذا.