الدستور.. تهذيب أم تشذيب

بعد احتجاجات تشرين الاول عام ٢٠١٩، التي عمت محافظات ومدن الوسط والجنوب والتي خرجت للمطالبة بتوفير الخدمات والقضاء على الفساد، ثم تطورت لاحقاً للمطالبة باجراء اصلاحات في العملية السياسية برمتها، ومن ابرز هذه الاصلاحات التي هي:

١. اقالة الحكومة بعد سقوط ما يقارب (٥٠٠) شهيد وعشرون ألف جريح.

٢. اجراء انتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات وتغيير المفوضية.

٣. الكشف عن الجناة.

٤. تعديل الدستور.

وهذا المطلب تحديداً يعد (أس) العملية السياسية ما بعد ٢٠٠٣، ويرى الكثير من الباحثين ان دستور ٢٠٠٥ بحاجة الى تعديلات تساهم في انضاج العملية السياسية، وتواكب التطور الحاصل في رؤية ومزاج المواطن العراقي ليجد فيه الخيمة التي يستظل بها مع اخوته بغض النظر عن تعدد مشاربهم، وكذلك لمعالجة الخلافات المستمرة بين المركز والاقليم.

وعلى اثر ذلك تشكلت ثلاث لجان لتعديل الدستور استجابة لمطالب المتظاهرين الاولى رئاسية، والثانية حكومية، والثالثة برلمانية. والاخيرة شكلت وبتاريخ 11 تشرين الثاني الماضي، لجنة تعديل الدستور التي انتخبت بدورها النائب عن تيار الحكمة فالح الساري رئيسًا لها، والنائب عن تحالف القوى العراقية محمد تميم نائبًا له، والنائب عن الصابئة (أقلّيات) صائب خدر مقررًا.

على ان تقدم التوصيات بمدة لا تتجاوز الاربعة إشهر؟! الا اننا لم نشهد تطوراً في هذا الموضوع؟!

 

إذ يتكون الدستور الحالي من 144 مادة والذي حظي بموافقة 78% من الشعب عقب استفتاءٍ أُجري عليه عام 2005.

اما عن  أبرز النقاط الخلافية والتي تقع ضمن مصطلح (التهذيب) هي:

١. المادة (140) التي تهتم بقضية كركوك والمناطق المتنازع عليها.

٢. والمادة (115) والمتعلقة بالصلاحيات الخاصة بالحكومة الاتحادية  وحكومة الاقليم.

٣. النفط والغاز والية التوزيع العادلة لجميع المحافظات والاقليم.

 ٤. المادة (41) التي تخص قوانين الأحوال الشخصية.

٥. المادة (٧٦) اولاً. التي تخص تشكيل الحكومة من قبل الكتلة النيابية الاكثر عدداً والتي فسرتها المحكمة الاتحادية سنة ٢٠١٠ بانها الكتلة الاكبر التي تتشكل قبل او بعد الانتخابات ؟! مما سببت في خلق أزمة جديدة تضاف للأزمات السياسية الا وهي التأخير في تشكيل الحكومة والتوافق عليها ؟! فأصبح لزاماً تعديلها لتكون الكتلة الفائزة في الانتخابات هي من تكلف بتشكيل الحكومة.

اما عن التعديلات الأساسية الأخرى والتي تقع ضمن اطار (التهذيب) هي الآتي:

١. اعادة النظر بشكل النظام السياسي الحالي وتغييره من نظام برلماني  الى احد الخيارات الاتية:

أ. رئاسي: ان يكون الرئيس منتخب من قبل الشعب بشكل مباشر وله صلاحيات تشكيل حكومته ومحاسبتها، كالنظام المصري والتركي وغيرهما.

ب. النظام المختلط: ايضاً يتم انتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب ولكن حكومته تشكل في مجلس النواب وله صلاحيات واسعة فهو القائد العام للقوات المسلحة، كالنظام الفرنسي وغيره.

وفي الحالتين اعلاه يحق للرئيس أن يحل البرلمان والعكس غير ممكن الا بإثبات تهمة الخيانة العظمى.

اما عن الاليات الدستورية التي (أطرت) عملية التعديل بحسب المادة (١٤٢) فهي كالآتي:

اولاً: "يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقريرٍ إلى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها".

ثانياً: "تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعةً واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتُعد مقرةً بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس".

ثالثاً: "تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقًا لما ورد في البند (ثانيًا) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تأريخ إقرار التعديل في مجلس النواب".

رابعاً:" يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحًا، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر". !!!!

وكذلك المادة (126) بحيب الآتي:

اولاً: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخُمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور.

ثانياً: لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءًا على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.

ثالثاً: لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند ثانيًا من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.

رابعاً: لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام.

خامساً: وتقسم الى:

أ- يُعدُ التعديل مصادقًا عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند ثانياً وثالثاً من هذه المادة، في حالة عدم تصديقه.

ب- يُعدُ التعديل نافذًا، من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية".

وبعد تحديد السيد الكاظمي موعد الانتخابات المبكرة هل انتهى امل تعديل الدستور في المرحلة الحالية ام هنالك خيار بديل؟!

نضع بين ايديكم سيناريوهات امكانية اجراء تعديل دستوري كالآتي:

السيناريو الاول

تقديم جميع الصيغ التي توصلت اليها اللجان الثلاث المشكلة الى البرلمان العراقي لدراستها واختيار الانجع منها، يتم اتخاذ الاجراءات الدستورية اللازمة وعرض هذه التعديلات على الشعب للاستفتاء عليه في يوم الانتخابات المبكرة، وبذلك نحقق هدفين الاول تعديل الدستور والثاني انتخابات نيابية بنسبة مشاركة واسعة، على ان تطبق بعض مواد الدستور الجديد على الانتخابات التي تلي الانتخابات المبكرة كالمادة التي تتضمن  شكل النظام السياسي.

التحديات التي تواجه هذا السيناريو هي:

١. عدم رغبة بعض الكتل السياسية باجراء تعديلات جوهرية على الدستور.

٢. التدخلات الخارجية التي ستعرقل انتاج تعديلات تصب في مصلحة عراق قوي وموحد.

٣. فيتو المحافظات الثلاث؟! الذي يعطي الأريحية للكتل الكردية في الاقليم  بالحصول على المكاسب مقابل الموافقة على بعض التعديلات.

٤. ضعف الثقافة السياسية لغالبية الشعب العراقي والتي ستنعكس على التصويت لصالح ام ضد الدستور الجديد.

 

السيناريو الثاني

تأجيل عملية التعديل لما بعد الانتخابات المبكرة، على ان يتضمن البرنامج الحكومي فقرة تعديل الدستور في غضون عام واحد بعد تشكيلها. وهذا السيناربو يتطابق مع ما جاءت به المرجعية الدينية في النجف الإشرف بتأجيل القرارات المصيرية لما بعد الانتخابات.

التحديات التي تواجه هذا السيناريو هي:

١. ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة سيولد مزيداً من عدم الثقة بين المواطن والعملية السياسية مما يضعف مشاركته في الاستفتاء.

٢. اعادة انتاج كتلة سياسية كبيرة او تحالف معين تقليدي وبالتالي حكومة توافقية مما يجعلها قادرة على احتواء مسألة التعديلات لصالحها فالتعديل بحاجة الى تصويت ومن ثم استفتاء كما وضحناه سلفاً.

٣. ستكون التدخلات الخارجية حاضرة.

٤. يبقى فيتو المحافظات الثلاث حاضراً.

واخيراً نقول.. ان الايام القادمة تشهد عملية بناء وترميم العملية السياسية بعد التصدعات التي أصابتها طيلة السنوات الماضية ولأسباب عديدة فإما أن نؤسس العملية برصانة لنحوز على ثقة الشعب أو نفقد المشروعية.