الإعتياش السياسي

  • تتهدد الحياة السياسية بالصميم عندما تسودها ظاهرة الإعتياش السياسي، عندها تكون خدّاعة ومغشوشة ووصولية لا يمكن معها الوقوف على حقيقة نوايا ومواقف النخب والقوى في التعاطي مع قضايا الدولة، لتسود في النهاية حياة سياسية أقل ما يقال عنها أنها شعاراتية جوفاء وانتهازية عمياء.

  • تطوّر الدولة رهن سلامة وصحية وجدية الحياة السياسية فيها، والسلامة والصّحية والجّدية هنا تعني: أولاً سلامة التشخيص الدقيق لأزمات الدولة، وثانياً صحية أساليب التعاطي مع الأزمات من قبل القوى المعنية بالدولة، وثالثاً جدية التصدي لحل الأزمات دون الصدح الأجوف بها بينما تخفي النوايا وتفتقد الممارسات إلى الجدية والمصداقية لحلها،.. فالإعتياش السياسي يعني هنا: ظاهرة افتقاد النخب والقوى السياسية لسلامة وصحّية وجدية التصدي لأزمات الدولة من خلال الصدح بالمشكلات والمتاجرة بالأزمات لاتخاذها غطاءً لتمرير المصالح الشخصية والحزبية في التعاطي مع الدولة وقضاياها.
  • ينشأ الإعتياش السياسي من أربع ممارسات: الإدعاء والخداع والتّلون والوصولية، فهناك إدعاء دائم وعريض بالقدرة على تشخيص الأزمات وحلّها، وخداع دعائي دائم حقيقته الإلتفاف على الأزمات أو ترحيلها دونما حلول، والتّلون المستمر والمتكيف مع كل متطلبات مرحلة لركوب موج التغيير، والهدف هو الوصول أو البقاء بالسلطة.
  • من مظاهر الإعتياش السياسي، أنَّ العديد من القوى والشخصيات السياسية تعبر عن انتقادها للنظام المكوّناتي وللطائفية والمحاصصة والفساد والفوضى وارتهان الإرادة للأجنبي.. الخ، بينما ترى أنها هي مادة هذا النظام والمتمسكة بفروضه وامتيازاته والعاملة على استلابه!! إنها هنا لا تمارس النفاق السياسي وحسب بل تعتاش سياسياً أيضاً على أزمات الدولة كطفيليات سياسية ليس إلاّ.
  • تعود ظاهرة الإعتياش السياسي لسببين، الأول طارئ تؤشر عليه ظاهرة المتاجرة المرحلية بأزمات الدولة، والثاني عميق يتصل بالرؤية التي تتحكم بالممارسات السياسية، فليست جميع ممارسات الإعتياش السياسي ناجمة عن المتاجرة المصلحية الآنية بالأزمات، لا، بل منها ما هو جوهري يتصل بطبيعة الرؤية الحقيقية لبعض القوى والشخصيات السياسية، فالعديد من هذه القوى تؤمن بأسس نظام المكوّنات، ومنها مَن هو قاصر بنيوياً في الرؤية والممارسة والبرنامج عن التصدي لأزمات النظام السياسي، ومنها مَن يفتقد الثقافة والتأهيل والمهارة اللازمة للتعاطي مع مهام إدارة الدولة،.. إنَّ بنية وأهلّية العديد من القوى قاصرة ذاتاً عن تنقية الدولة من الأزمات، لذلك تراها تتاجر بالأزمات لتعتاش عليها، وهنا تتحوّل هذه القوى إلى أزمة بذاتها وليست جزءً من الحل، كونها قاصرة وليست مدّعية معتاشة ومتاجرة وحسب، وهي مشكلة عميقة أن تكون العديد من النخب والقوى غير مؤهلة ذاتاً لمهامها التأريخية لإعادة بناء الدولة، وهنا فهي لا تملك إلاّ الإعتياش من خلال الصدح بالأزمات والإدعاء بالقدرة على حلّها فتتاجر بها عند كل مناكفة سياسية أو استحقاق انتخابي أو موجة غضب أو حافة انهيار.
  • أزمات المجتمع والدولة الموروثة من أنظمة الإستبداد والمسخ قبل 2003م زادتها طفيليات ودكاكين الساسة المعتاشون على الأزمات المزمنة والمستحدثة بعد 2003م،.. وحلّ الأزمات يحتاج إلى قوى ونخب مسؤولة مؤهلة شجاعة وملتزمة لتعيد المجتمع إلى السكة والدولة إلى الصراط، فبناء الدولة مهمة مَن يشتغل للدولة لا مَن يشتغل بها،.. وشتان بين اللام والباء!!